28- الصبر على البلاء
"
إن من استسلم لقضائي ، ورضي بحكمي ، وصبر على بلائي بعثته يوم القيامة مع الصديقين"رواه الديلمى عن ابن عباس (رضي الله عنهما)
"
انطلقوا يا ملائكتي إلي عبدي فصبوا عليه البلاء صبا .... فيصبون عليه البلاء ، فيرجعون فيقولون : يا ربنا ، صببنا عليه البلاء كما أمرتنا فيقول : ارجعوا فإني أحب أن أستمع صوته" رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة (رضي الله عنهما)
فالإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وبالقضاء والقدر خيره وشره
... حلوه ومره ... وإذا أردنا أن نلخص الإيمان والإسلام ... نجد إن الإسلام أساسه الاستسلام لأوامر الله تعالى فأركان الإسلام هي : الصلاة والصيام والزكاة والحج بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
أما الإيمان فهو عبارة عن التصديق بالغيبيات ، والرضا بالقضاء والقدر فنحن لم نرى الله عز وجل ، ومع ذلك نؤمن به ونصدق بوجوده
... والملائكة غيب وكذلك الكتب السابقة والرسل فنحن لم نر الأنبياء ومع ذلك نؤمن برسالتهم جميعا ونصدق بهم وبمعجزاتهم دون أن نراها وطالما رضينا بالله رباً فله الحكم والأمر وله التصريف وله التدبير فلا يمكن أن يصدر حكمه أو أمره أو قضاؤه إلا عن حكمة وإن خفيت على ذوى الألباب فعلى ذلك علينا الرضا بكل ما يأتي من الله تعالى أي الإيمان بالقضاء والقدر فالقضاء في اللغة هو القطع أو الفصل أو الانتهاء من الأمر والفراغ منه وإحكامه: " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ"فصلت12 أي فرغ من إتمامهن وخلقهن علي ما هن عليه الآن "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاه"الإسراء 23 أي حكم وأمر بذلك ؛ أما القدر فهو تفصيل القضاء : أين ؟ ومتي ؟ وكيف يكون ؟ فقد قضي ربنا تبارك وتعالي أن يخلق آدم ليكون خليفة في الأرض فذلك قضاء وأما القدر فهو شكل آدم ، وطوله ، وأين ينزل ، وما إلي ذلك من تفصيلات
وكلمة قدر قد تأتي في القرآن بمعني تفصيلات القضاء ، وقد تأتي أيضاً بمعني المقدار مثل قوله تعالي:
" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"القمر49 "وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ" المؤمنون18
والاستسلام لقضاء الله تعالي نعني به الرضا أي أن الناس جميعاً يستسلمون لقضاء الله طوعاً أو كرهاً أي علينا أن نرضي بحكم الله تعالي فالإيمان الصادق أنه يكون للملك الذي يحكم ما يريد ويروي أن الله تعالي أوحي إلي داود عليه السلام
:-
يا داود إنك تريد وأريد وإنما يكون ما أريد ، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد
فعجباً لأمر المؤمن يجزع ويسخط عند حدوث أية ابتلاءات له ولكن مطلوب منه العاستغفر الله فلابد أن يتحمل كل شئ لأن كل الفتن اختبارات له إذا كان من الصابرين والشاكرين أم يكون من الساخطين فعليه أن يعلم أن كل شوكة يُشاكها تعتبر له تكفير لذنوبه ورفع درجات إيمانية له والتثبيت علي إيمانه
فعن أبي يحي صهيب بن سنان عن رسول الله صلي الله عليه وسلم
:-
"
عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء فكان خيراً له " رواه مسلم أي أن لكل ابتلاء فهو مِنة من الله تعالي لأنها تعتبر مغفرة وتطهير للذنوب ورفع الدرجات فهذه قناطر الفتن [تعتبر معبرة للخير] فهي كلها خير له لأنها تعطيه من خزائن المنن [فضل وكرم وجود من الله تعالي له]
لأنهم عبروا قناطر الفتن فلما عبروها جاوزوها فبلغوا خزائن المنن
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم
:-
"
المؤمن بين خمس شدائد : مؤمن يحسده ، ومنافق يبغضه ، وكافر يقتله ، ونفس تنازعه ، وشيطان يضله ويغويه"
وأوحي الله تعالي إلي داود عليه السلام للوصول لمعرفة أن رضا الله في أمرين
:-
يا داود ألا أعلمك عملين إذا عملت بهما ألفـت بهما وجوه الناس إليك وبلغت بهما رضاي
. قال :- بلي يا رب ؛ قال اتجر فيما بيني وبينك بالورع ، وخالط الناس بأخلاقهم.
فمن أحبه وصدق مع الله عز وجل ابتلاه
:-أوحي الله تعالي إلي موسي – عليه السلام :-
إني إذا أحببت عبداً ابتليته ببلايا لا تقوم لها الجبال لأنظر كيف صدقُـُه ، فإن وجدته صابراً اتخذته ولياً وحبيباً وإن وجدته جزوعاً يشكوني إلي خلقي خذلته ولا أبالي
.
فالعبد المضيق عليه تحدث عنه رب العالمين مع مناجاته مع موسي عليه السلام فعن أبي سعيد الخدرى عن النبي صلي الله عليه وسلم
:-
أنه قال
: إن موسي قال : " أي رب عبدك المؤمن تـُقتر عليه في الدنيا قال : فتـُفتح له باب الجنة فينظر إليها ، قال : يا موسي هذا ما أعددت له
فقال موسي: أي رب وعزتك وجلالك لو كان أقطع اليدين والرجلين يُسحب علي وجهه منذ يوم خلقته إلي يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير بؤساً قط ثم قال موسي :
أي رب عبدك الكافر توسع عليه في الدنيا قال
: فيفتح له باب من النار ، فيقال :- يا موسي هذا ما أعددت له . فقال موسي :-
أي رب وعزتك وجلالك لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته إلي يوم القيامة وكان مصيره كأن لم ير خيراً قط
"
أي أن كل الخير له في الدنيا بكل المصائب والابتلاءات ليـُقابل الله تبارك وتعالي يوم القيامة ولم يكن عليه أية شائبة طاهر مُطهر ويكون تقي نقي
وفي قوله تعالي
:-
"
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"البقرة155(ولنبلونكم بشيء من الخوف) للعدو (والجوع) القحط (ونقص من الأموال) بالهلاك (والأنفس) بالقتل والموت والأمراض (والثمرات) بالجوائح ، أي لنختبركم فننظر أتصبرون أم لا (وبشر الصابرين) على البلاء بالجنة فعليه في كل الأحوال
الاسترجاع بمعني يفوضوا أمرهم إلي الله تعالي ويسلموا أمرهم له تعالي وأن الصبر يكون عند الوهلة الأولي كقوله تعالي
:-
"
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ" البقرة156
أي وهم
(الذين إذا أصابتهم مصيبة) بلاء (قالوا إنا لله) ملكاً وعبيداً يفعل بنا ما يشاء (وإنا إليه راجعون) في الآخرة فيجازينا ،
وفي الحديث "من استرجع عند المصيبة آجره الله فيها وأخلف الله عليه خيراً" فكل البشري لهؤلاء لأن دليل صبره عند الاسترجاع فيكون مخلصاً بقلبه فثمرتهم أي حصادهم من هذا الصبر الرحمة والمغفرة والهداية من الله عز وجل في قوله تعالي:-"أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"البقرة157(أولئك عليهم صلوات) مغفرة (من ربهم ورحمة) نعمة (وأولئك هم المهتدون) إلى الصواب أي علينا الرضا بحكمه ونصبر علي بلائه اللهم ربنا اجعلنا نرضي بقضائك ونقنع بعطائك
فالعبد يتقلب بين الفضل والعدل فإذا كان فضلاً فقل
: الحمد لله وأنا لا أستحق هذا ، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء فتشعر أنك عبد إحسان ، وتصبح غير شديد التمسك بما آتاك لأنه فضل وإذا أصابك ما يسوؤك فعلمت إن ذلك عدل الله فيك وأن الله تعالي ليس بظلام للعبيد رُزقت الصبر والرضا وهدوء البال وليس معني ذلك أن كل من أصابته مصيبة يكون مُستحقاً لها فقد تُكتب له المنزلة في الجنة لا يبلغها بعمله ؛ فيبتليه الله تبارك وتعالي بالمصيبة ، ويرزقه الصبر عليها ، فيبلغ منزلته بالصبر وليس بالعمل وفي قوله تعالي:-
"
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ"الحديد-22ليس أحد إلا هو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكراً والحزن صبراً كقوله تعالي:-
"
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ "الحديد23ٍ
فلكي نستطيع أن نصل لمرحلة الصبر التي بدون سخط ولا جزع فعلمنا الله تبارك وتعالي في القرآن الكريم في سورة الحجر بالتسبيح والحمد والسجود أي كثرة الصلاة مع العبادة كل هذا يُعيننا علي التواصل في حياتنا بالصبر الجميل في قوله تعالي
:-
"
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"الحجر97-
99 (فسبح بحمد ربك) أي قل سبحان الله وبحمده (وكن من الساجدين) المصلين (اليقين ) الموت فبالذكر والتسبيح نصبح في معية الله تبارك وتعالي
أتحب أن يسكن الله تعالي معك
:-
أوحي الله تعالي إلي موسي
"أتحب أن أسكن معك ببيتك فخـَر لله ساجداً ثم قال :- فكيف يا رب تسكن معي في بيتي ؛ فقال : يا موسي أما علمت أني جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني"
يقول الإمام محمد بن جعفر
: عجبت لأربع كيف يغفل عن أربع :
عجبت لمن ابتلي بالغفلة ، وكيف يغفل عن
"لا إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"؟
عجبت لمن ابتلي بالمكر ، وكيف يغفل عن
"وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد"؟
عجبت لمن ابتلي بالخوف ، وكيف يغفل عن
"حسبي الله ونعم الوكيل "؟
عجبت لمن ابتلي بالضر ، وكيف يغفل عن
" رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " وقد كشف ما به من ضر؟
والمؤمن الحقيقي لا يفرح بدنيا تصيبه ، ولا يحزن علي فواتها ، ولكنه يفرح بالطاعة ، وتحزنه المعصية
.... "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"يونس58 - (قل بفضل الله) الإسلام (وبرحمته) القرآن (فبذلك) الفضل والرحمة (فليفرحوا هو خير مما يجمعون) من الدنيا
ويقول رسول الإنسانية صلي الله عليه وسلم
:-
إذا سرتك الطاعة، وساءتك المعصية فأنت مؤمن
اللهم ربنا اجعلنا ممن تسرهم طاعتهم وتسؤهم معصيتهم
اللهم ربنا لا تحاسبنا بعدلك ولكن حاسبنا بفضلك وبكرمك وبجودك
اللهم ربنا ارزقنا صبراً جميلاً وارزقنا الرضا بعد القضاء